هل الماضي بلد غريب؟ | سوزانا ليبسكومب | TEDxSPS

تشارك المؤرخة سوزانا ليبسكومب أفكارها حول عرض الماضي كأرض غريبة. وكيف، إذا كان لنا فهم أكثر واقعية للماضي، يجب علينا أن نتعرف على معتقدات تلك الفترة ونتجاوز السعي خلف الأزياء الأصيلة لتلك الفترة في الدراما والأفلام.

تم إلقاء هذه المحادثة في حدث TEDx باستخدام صيغة مؤتمر TED، ولكن بتنظيمٍ مستقل من قبل المجتمع المحلي. لمعرفة المزيد من خلال: http://ted.com/tedx

مرحبًا، موضوعي اليوم هو:

هل الماضي بلد غريب؟

هذا هو بالطبع السطر الأول
من كتاب (ل ب هارتلي) "الوسيط":

"الماضي بلد غريب،
انهم يفعلون الأمور بشكل مختلف هناك".

وسؤالي لكم اليوم: "هل هذا صحيح؟"

إن كان كذلك، لماذا تقدم
الثقافة الشعبية الماضي دائمًا

كشيء مريح جدًا
وليس غريبًا على الإطلاق؟

وإن كان كذلك، في النهاية،
هل يمكننا الذهاب إلى هناك؟

هل لدينا تأشيرة؟

هل لدينا جواز السفر الذي نحتاجه؟

قد يذهب المؤرخون أبعد من ذلك،
ويقولون إنه بلد غريب،

إنه في الواقع بلاد وهمية،
تشبه "نارنيا" أكثر من فرنسا،

السبب بالطبع أمر استثنائي
حول الماضي، هو أنه "كان"،

وليس "يكون".

فالتاريخ هو دراسة شيء لم يعد موجودًا،

وأحيانًا يبدو أن الحجاب بيننا وبين الماضي

ضخم بسبب ذلك.

لحسن الحظ هناك آثار أقدام
في الثلج لنتبعها،

إذا اخترنا أن نذهب.

التاريخ في وسائل الإعلام الرائجة
يميل إلى أن يكون شيء

يؤكد على التشابه بيننا وبينهم،

من حيث أنهم كانوا يأكلون، وينامون، ويحبون،

حيث، كما تعلمون، كانوا يغتسلون،
ويأملون، ويؤمنون، ويحلمون، ويموتون،

تمامًا كما نفعل.

في الواقع، قال (ج م تريفليان):

"شاعرية التاريخ هو الحقيقة شبه الإعجازية،

أنه يومًا ما على هذه الأرض،
على هذه البقعة المألوفة من الأرض،

مشى أناس آخرون، نساء ورجال آخرون،

حقيقيون كما نحن اليوم،

يفكرون في أمورهم الخاصة،
يتصرفون بدافع شغفهم،

ولكن ذلك انتهى الآن،

جيل يفنى بعد جيل،

يفنى كما سنفنى نحن تمامًا بعد حين،

كشبح وقت صياح الديك."

عندما تمر بالتاريخ في الإعلام الرائج،

سوف تمر بقصص تحكي عن أشياء تعلمها.

الكارثة الكبرى (تيتانيك)
تُصور على أنها قصة حب.

"فتاة بولين الأخرى"، تمثيل (إريك بانا)
و (سكارليت جوهانسن)، و(ناتالي بورتمان)،

يعيد تصور تاريخ (تيودور)
كمنافسة أخوية نسوية.

(فارد) يأخذ مجرم خائن مثير للجدل
ويحوله إلى مدافع عن الحرية.

فيلم مثل "الدوقة"، وهو قصة
عن أحد نبلاء القرن 18،

يحوي سطر تقييدي:

"كان هناك ثلاثة أشخاص في زواجهما".

وصدر بعد سنة واحدة
من مقتل الأميرة (ديانا).

ما نسمع عنه عادة هو قصة عن مشاعر مشتركة

مع الماضي.

كنت أعمل في قصر "هامتون كورت"،

كجزء من معرض هناك
عن (كاثرين) من أراغون، و(هنري) الثامن

والكاردينال (وولسي).

يوجد مدخل

يحوي نقوش عن جميع
الأطفال الذين ماتوا بعد الولادة،

أو ولدوا موتى، أو حالات إجهاض
(كاثرين) من أراغون.

أحد الأكاديميين الذين عملنا معهم
قال أنه علم دائمًا بذلك،

ولكن عندما رأى ذلك في المدخل،

الذي يبدو قليلاً كقبر،

أنه شعر حقًا بذلك،
أنه شعر بهذا الرابط بالماضي.

هذا هو التاريخ كتعاطف،
هذا هو إنشاء الصلات.

لعلنا نشدد على ذلك،

لأنه إذا اعتقدنا أنه يمكننا
تعلم دروس من الماضي،

فعلينا افتراض أنه يوجد
شيء ذا معنى في هذه الدروس.

يمكن أن يكون هناك شيء ذا معنى،
إذا كنا نشبههم جوهريًا.

"التاريخ لا يعيد نفسه
ولكنه يتجانس" كما قال (مارك توين).

جاء (دان سنو) للتحدث إلى طلابي
في كلية العلوم الإنسانية الجديدة وقال:

"التاريخ لا يعيد نفسه،
ولكنه أفضل مرشد لنا."

ربما تتساءلون لماذا نؤكد
على الألفة مع الماضي.

اهتمامنا بالماضي هو لأننا
مهتمون حقًا بأنفسنا.

سوف أصيغها هكذا:

يجب ألا نخلط بين التاريخ والحنين للماضي.

فهو لم يكتب لتبجيل الموتى،

ولكن ليُلهم الأحياء.

إنه تيار دماء ثقافتنا، وسر كينونتنا.

ربما هذا هو سبب

شهرة برنامج "من تظن نفسك؟"

كل ذلك عن قصتنا.

إذا نظرنا إلى الفروق في الماضي،

فالفروق التي نميل لرؤيتها
تكون خارجية وسطحية.

لذا إذا نظرتم إلى برامج تلفزيون الواقع
منزل 1900، ومنزل 1940،

تجدونهم يشيرون إلى أشياء
مثل عدم توافر الكهرباء،

أو اختلاف الملابس،

أو أنهم يستخدمون غسول
بدلاً من جل الاستحمام.

هذا هو الماضي، يوجد صعوبات وحرمان.

هذا هو التاريخ، شيء متسخ وفوضوي ومؤلم.

هم أناس مثلنا ولكنهم في ظروف أصعب.

مجددًا السؤال الذي يطرأ علينا:

"ماذا كنا سنفعل في مثل هذه الظروف؟"

هذا هو التاريخ كتقدم،
هذه النسخة الواهنة عن التاريخ.

أظن ذلك يفسر جزئيًا الافتتان

الذي نحمله للتواريخ المريعة.

التواريخ المريعة تأليف (تيري ديري)
بيعت منه ما يقارب 20 مليون نسخة،

منذ نشره عام 1993، تم ترجمته إلى 31 لغة.

هم يروجون أنفسهم مثل
"قطع التاريخ الكريهة المتبقية."

بالطبع نحن مفتتنون قليلاً
بشكل فاسد بالدماء.

ولكن بسبب التاريخ يمكن أن نهنئ أنفسنا،

للإشارة إلى إنسانيتنا المحضة:

"إلى أي حد نحن متحضرون،
فنحن لا نفعل هذه الأمور للناس."

ما نبحث عنه في الأفلام، ونسميه أصالة،

هذه التفاصيل الخارجية تكون عادة سطحية.

ربما، على سبيل المثال، يتلخص الأمر
في ارتدائهم للملابس الصحيحة،

مع أننا كثيرًا ما نغير ذلك

حتى تتناسب مع معايير
الجاذبية في العصر الحالي.

كان (توم هانكس) منتج حلقات
عصبة الإخوة، وقال:

" يوجد نوعان من الأصالة،

واحدة منها تقول أن الأزرار بمكانها الصحيح،
وأن الذخيرة صحيحة،

وأن الأبنية تبدو كما تظهر في الصورة."

وهذا يسهل تحقيقه.

ولكن يوجد أمر أكثر صعوبة.

هناك واقعيًا الدوافع،
وطبيعة التفاعل بين الشخصيات،

لأنه يقول: " إذا لم نتمكن من أن نكون
صادقين تمامًا مع ما قالوه وفعلوه

في أي فترة زمنية،

فيمكننا على الأقل
أن نكون أصليين بقدر الإمكان،

بحيث نلتزم بإطار واقع
التواجد هناك حينها."

وسوف أقترح وجود نوع ثالث من الأصالة،

وهو نوع لا نقترب منه.

أنه النوع الذي يقول أن الماضي
مختلف للغاية عن حاضرنا،

وأننا نعجز عن فهمه،
لأننا لا نفهم إلا حاضرنا.

وهذا بسبب أن الناس في الماضي امتلكوا
عوالم فكرية وخيالية مختلفة عنا.

مؤرخو الحوليات يدعون ذلك بالعقلية،
عقليات أولئك الناس.

وربما هذا هو الفرق
بين التاريخ الشائع والتاريخ الأكاديمي.

أن التاريخ الشائع يهتم أكثر بالتشابهات،

أكثر من الاختلافات؟

يمكنكم الملاحظة خاصة، عندما تنظرون
إلى المواقف تجاه الجنس والدين.

عندما تقرؤون رواية تاريخية،
أو تشاهدون فيلمًا،

على سبيل المثال، كتب (فيليبا جريجوري)،

روايات تاريخية رائعة تنقلكم للماضي.

ولكن في كثير من الأحيان النساء فيها
تملن إلى أن تكن أساسًا نسويات،

ومواقفهن تجاه الجنس تميل إلى أن تكون:

"إنه شيء جيد جدًا، يمكننا فعله،"

والذي كان قبل عصر حبوب منع الحمل،
قبل أن يكون هناك أي مفهوم موثوق بها،

لا يتطابق مع العصر الماضي.

ماذا عن الدين؟

قال (روشفوكولد) في القرن 17:

"هناك دائما شيء مثير للسخرية عن مشاعر
الناس حتى أني توقفت عن الحب."

إذا كان أغلب الناس في بريطانيا
الحديثة فقدوا إيمانهم بالإله،

فلا ينبغي أن نقلل من شأن
القوة المُسكِرة التي امتلكها في الماضي.

تأكدوا أن ما تقرؤونه
يبدو حقيقيًا عن رؤية العالم.

ربما لذلك أصبحت كتب (هيلاري مانتل)
شعبية للغاية وتربح الجوائز.

لأنه على الرغم من أنها تخترع الشخصيات،

الشخصيات التاريخية
مثل (كرومويل)، على سبيل المثال،

من خيالها الخاص، كما هو حق الروائي،

إنها تغمر نفسها فعلاً في عالم الماضي.

أتذكر أني كنت مسرورة،
عندما قرأت "قاعة الذئب"،

وأدركت أنها حددت

أن تلقيب شيء بالجديد
في القرن 16 لم يكن إطراءً.

لدينا أصداء خافتة لهذه الأفكار الآن.

فكلمة حداثة تحمل من العداء والشك
ما حملته كلمة جديد في عصر ما،

عندما كان التقليدي والقديم
أشياء قوية للغاية،

ولها قبضة قوية على عقل (تيودور).

فقط عندما نبدأ في فهم
كيف كان الماضي مختلفًا،

وكيف فكر الناس بشكل مختلف في الماضي،

سوف نبدأ في فهم بعض
سلوكيات ومعتقدات الماضي الغريبة.

دعوني أعطيكم أمثلة
من الفترة التي أعمل عليها.

في نهاية القرن 16، وبداية القرن 17،

عبر أوروبا 40,000 إلى 50,000
شخص، معظمهم من النساء العجائز،

تم إعدامهم كسحرة.

في القرن 16 في انجلترا،
كان يتم جلد الشحاذين.

في 1547 صدر أمر أن المشردين بلا مأوى

يجب أن يوسموا على صدورهم
بحرف (V) بواسطة حديد ساخن.

في 1572 تم اقتراح قانون جديد
أنهم يجب أن يجلدوا بشدة،

وأن يوسموا من خلال ثقب الأذن

بحديد ساخن، بقطر بوصة.

في فيينا القرن 17، كانت ممارسة شائعة
عندما يتم قطع رأس مجرم،

يأتي شخص يعاني من مرض
كان يعرف باسم مرض السقوط،

ويسرع بقدر،

ويغرف الدماء الساخنة
المتدفقة فيه، ثم يعدو بها.

كان يعتقد أن هذا يعالج الصرع.

في لندن في نفس الوقت، عام 1665،
أثناء الطاعون العظيم،

أمر أمين البلاط بجمع
200,000 قطة و 40,000 كلب،

لأنه كان يعتقد أنها تسبب الطاعون.

النساء، وربما هذا هو أكثر الأمور غرابة،

منذ زمن أرسطو حتى حوالي القرن 18،

كان يُعتقد أنهن رجال مشوهون.

وأرحامهن هي قضيب معكوس.

ولكنهن لا يملكن حرارة كافية
لدفعه خارج أجسادهن،

وبالطبع هذا ينتج تلهف كبير.

في بعض الأحيان، كانت لديهم قصص
متداولة عن امرأة أو فتاة قفزت فوق سور

ثم للمفاجأة اكتشفت أنها
رجل، عندما سقط قضيبها خارجها.

بالطبع، إن كان الأمر يمكن أن
يحدث هكذا، فيمكن عكسه أيضًا.

كان هناك شغف شديد متعلق
بالذكورة في بدايات انجلترا الحديثة.

لدينا ميل للنظر إلى الماضي
والاعتقاد بأنهم كانوا يشبهوننا.

ولكن ما كان يدور داخل
رؤوسهم كان مختلفًا للغاية.

إن كنا سنحصل على رؤية
من برامج الواقع التليفزيونية تلك،

فهي عندما يفشلون.

في برنامج منزل 1940،
لجنة الحرب كما كانت،

أعطوهم أرانب ليأكلوها
ورفضت الأسرة أكلهم،

لأنهم بالطبع يملكون عقلية العصر الحالي.

في برنامج يدعى الخندق،

حيث يتظاهر مجموعة من الأولاد

بمعايشة خبرة التواجد بالصفوف الأمامية
في الحرب العالمية الأولى،

جلب العريف معطف رمادي
لأحد الذين قالوا أنهم سقطوا،

وكان هناك شيء مؤثر جدًا
وسخيف تمامًا في هذه اللحظة،

لأنه بالطبع، الفتى لم يسقط،
ولم يمت، لقد غادر العرض فقط.

وحقيقة هذه اللحظة وما كانت عليه

من فقد صديق، ورفيق، في الحرب
العالمية الأولى، كانت ما تزال مفقودة.

كيف نعرض الماضي أمر هام،

سواء كنا نراه غريبًا أو مألوفًا،

وخاصة، على سبيل المثال، هو مهم
في مسائل الحكم الأخلاقي.

هل نستطيع الحكم على الماضي؟

المؤرخون الأكاديميون يقولون لا.

نحن بحاجة إلى محاولة فهمه.

وأن نوفيه الاحترام الذي يستحقه.

عندما تفكرون في (الهولوكوست) و (هتلر)،

عندما تفكرون في الرق،
أليس من الخطأ أن نصدر أحكامًا؟

قال المؤرخ (كولينجوود):

"تمرير الحكم الأخلاقي على الماضي،
هو أن تقع في مغالطة تخيل

أنه في مكان ما وراء حجاب،
الماضي لا يزال يحدث،

كما لو كان يجري تشريعه
في الغرفة المجاورة،

وعلينا أن نقتحمها ونمنع ذلك.

هذه الأمور قد حدثت وانتهت،
وليس هناك ما يمكن فعله بشأنها."

نحن بحاجة إلى السعي إلى فهم الماضي.

ولكننا لا نحتاج إلى القيام بذلك
فقط في الملابس التاريخية،

والتي ندعوها دائمًا الأزياء،
لسبب لم أتمكن من فهمه يومًا.

نحن بحاجة إلى أن نرتدي عقولهم،
نحن بحاجة إلى الخروج من كتبنا.

لذا، هل الماضي بلد غريب؟

نعم، إنه كذلك.

ولكنه مختلف بطرق لم نتخيلها.

هذا يشبه القول بأن فرنسا ليست
مختلفة لأنهم يأكلون خبز (الباجيت)،

ولكن لأنهم لا يرون غرابة

في اصطحاب الزوجة والعشيقة إلى جنازة.

هم فقط يملكون عقلية مختلفة.

لماذا نجعل التاريخ يبدو مريحًا؟

أقترح أنه ليس لأن التاريخ يبدو
غريبًا فقط، ولكن لأنه خطر أيضًا.

لدينا شعور أنه خلف هذا الحجاب،
يوجد سيوف لامعة ووجوه مُكشره.

وأننا إن عرفنا حقًا

ما حدث في الماضي وما كان يدور بأذهانهم،

سوف نفهم أكثر عن حالة الإنسان

بشكل لا نرغب فيه.

ولكني أقترح أيضًا، أنه إذا
أردنا الذهاب إلى هذه الأرض الغريبة،

فعلينا أن نكون كما قال (ماكبث):
"جريئون، ودمويون، وحازمون".

علينا أن نكون شجعانًا،

علينا أن نعبر الزجاج إلى الجانب الآخر،

وليس أن نبقى محدقين
في انعكاساتنا الخاصة.

شكرًا لكم.

(تصفيق)