دعوني أحدّثكم عن جزيرة تسمانيا.
إنها على بُعد 130 ميل
من شاطئ جنوب شرق أستراليا.
قديماً عندما كانت البِحار منخفضة
كانت تسمانيا جزءاً من أستراليا.
في تلك الفترة، سّجل علماء الآثار وثائق
تُظهر أن التسمانيين قد اصطادوا واستخدموا أدوات عظمية.
منذ حوالي 10 آلاف سنة
باعدت المياه المرتفعة بين تسمانيا وأستراليا
وقد أدى ذلك إلى موت الحضارة الإنسانية المعزولة تماماً
على ثلاث جزر صغيرة على الأقل.
في تسمانيا ظل أربعة آلاف صياد
دون أي اتصال ببقية البشر على الإطلاق.
لقد فقدوا التكنولوجيا التي كانت لديهم من قبل
ولم يعُد هناك صيد
ولم تعُد هناك أدوات عظمية
كما فاتتهم أيضاً الاختراعات الجديدة التي استُخدمت
في أستراليا، مثل الأدوات الحجرية وشباك الصيد والنار.
عندما اكتشف الأوروبيون شعب تسمانيا عام 1642
وجدوا أن هذه العزلة المفرطة قد خلقت أبسط
حضارة مادية في العالم الحديث.
من دون اتصال ببقية البشر
تتقلص حضارات بعض الجزر
ويختفي بعضها تماماً.
بالنسبة لمعظمنا فإنه من حسن الحظ
أن التعاون البشري قد توسع بمرور الوقت.
كما رأينا في الفيدوهات السابقة
أننا نستمتع بمزايا ضخمة
من التخصص والتجارة.
أحد أسباب هذا التعاون المفيد
هو ما يُطلق عليه الاقتصاديون الميزة النسبية.
هناك أمرين مفاجئين عن الميزة النسبية.
أولهما، أنه فقط من خلال إعادة ترتيب من يفعل ماذا
يمكننا تحقيق أمور أكثر في التجارة من هذا التخصص
حتى إذا لم يحقق أي أحد استفادة أكبر من عمله
وفقاً لهذا الترتيب.
ولكن الأمر الثاني هو المفضل لديّ.
إذا أصبحت أكثر مهارة في تأدية أمر ما
فمن الواضح أن ذلك يفيدك
ولكنه يفيدني أنا أيضاً على الرغم
من أن قدارتي على الإنتاج
لم تتغير على الإطلاق
دعني أريك كيف يتم الأمر.
سوف نرى ذلك بمثال بسيط
هناك شخصين فقط، بوب وآن
ينتجان بضاعتين فقط، الموز والسمك.
هذا هو ما يمكن لبوب أن يفعله إذا قضى كل وقته
في إنتاج بضاعة واحدة فقط.
يمكن لبوب إما أن يجني 10 موزات
أو أن يصطاد 10 سمكات.
أما آن فيمكنها جني 10 موزات أو اصطياد 30 سمكة.
إذاً لنفترض أن كل منهم يقسم وقته بين جني الموز والصيد.
يجني كل من بوب وآن 5 موزات
كما يصطاد بوب 5 سمكات وتصطاد آن 15 سمكة
أي أن إجمالي ما يُنتجانه هو 10 موزات
و15 سمكة. لابد أن محترفي الرياضيات الذين يشاهدوننا
الآن يرون طريقة واضحة لزيادة هذا الإجمالي.
إذا جنى بوب الموز فقط واصطادت آن السمك فقط
فسيصبح المجموع 10 موزات و30 سمكة.
إذاً، فقط من خلال إعادة ترتيب من يفعل ماذا
نحصل على أشياء أكثر.
قد تظن أن هذه الناتج هي ببساطة نتيجة
لتقسيم العمالة الذي تناولناه سابقاً
ولكنك مخطئ.
النقطة الهامة في تقسيم العمالة
هو أن كل عامل من العمال يصبح أكثر انتاجية
عندما يتخصص في شيء ما، ولكن في هذا السيناريو
لم يصبح أي من بوب أو آن أكثر مهارة في إنتاج
الموز أو السمك. ولكن فقط بإعادة ترتيب المهام
التي يؤديها كلٌ منهما
زاد إجمالي الإنتاج. النقطة الرئيسية لفهم كيف يتم ذلك
هو تكلفة الفرصة البديلة.
بوب عليه أن يختار إما جني الموز أو صيد السمك.
عندما يختار بوب جني الموز، فهو بذلك يتخلى عن
إحدى السمكات، أي أن بوب يقايض مع نفسه بين الأمرين.
فهو يمكنه استغلال وقته في جني الموز
أو مقايضة هذا الوقت بصيد السمك
وتكلفة تلك المقايضة هي سمكة واحدة مقابل كل موزة.
تلك هي تكلفة فرصة بوب البديلة.
ينطبق الأمر نفسه على آن، ولكن تكلفة فرصتها
لجني موزة واحدة هي ثلاث سمكات.
عند حساب ذلك باستخدام الوقت
يعني ذلك أن آن تستغرق وقتاً في جني موزة واحدة
يكفيها لاصطياد ثلاث سمكات.
وبالتالي فهي تقايض موزة واحدة بثلاث سمكات.
إذاً، بوب عليه أن يتخلى عن سمكة واحدة فقط
لجني موزة واحدة، ولكن آن عليها أن تتخلى
عن ثلاث سمكات لجني موزة واحدة.
إن تكلفة فرصة آن البديلة لجني موزة واحدة
هي أكبر من تكلفة فرصة بوب البديلة.
إن بإمكانها أن تُحسّن وضعها
إذا تمكنت من الحصول على موزة
بأقل من ثلاث سمكات
كما يمكن لبوب أن يُحسّن وضعه
إذا تمكن من الحصول على سمكة
بأقل من موزة واحدة.
لنفترض أن آن قد قايضت بوب بسمكتين مقابل موزة واحدة.
سوف يكسب كلاهما
وإذا أرادت آن الحصول على موزة
يمكنها أن تجنيها بنفسها وتتخلى عن ثلاث سمكات
أو أن تصطاد سمكتين فقط وتقايضهما مع بوب.
إنها تفضل الخيار الأقل تكلفة لذلك تُقايض.
يفضل بوب الخيار الأقل تكلفة أيضاً.
فبدلاً من التخلي عن موزة كاملة
لصيد سمكة، يمكنه مقايضة تلك الموزة بسمكتين
أي أنه سيتخلى
عن نصف موزة للحصول على سمكة.
يمكنك أن ترى أنه حتى إذا كانت آن أفضل في كل شيء
لن يتغير أي شيء في هذه القصة.
مازال بإمكانها الاستفادة من المقايضة
لأن عدد السمكات التي ستتخلى عنها آن
لتجني الموزة بنفسها هي أكبر من عدد
السمك الذي عليها اصطياده وإعطاه لبوب
لتحصل على موزة منه.
والآن، لننظر نظرة عكس تلك النظرة الدبيهية:
ماذا سيحدث إذا أصبحت آن أكثر
مهارة في الصيد. لنفترض أنها أصبحت قادرة على
اصطياد 40 سمكة.
من الواضح أن هذا جيد لآن
ولكنه يعني أيضاً أن تكلفة الموزة قد ارتفعت
إذا جنيتها آن بنفسها.
فلقد أصبح عليها الآن أن تضحي بأربع سمكات
مقابل كل موزة تجنيها.
عندما أصبحت آن صياداً أكثر مهارة
صارت أقل مهارة في جني الموز
مقارنة بالصيد.
هذا يساعد بوب. والسبب في ذلك
أن آن تنوي الآن مقايضة مزيد من السمك
مقابل كل موزة تحصل عليها من بوب.
لذا على الرغم من أن قدرة بوب على الإنتاج
لم تتغير، إلا أنه صار يحصل على مزيد من السمك
مقابل ما يقايضه من موز.
إن الميزة النسبية هي شيء جميل
أياً كانت مواهبي، يظل بإمكاني مساعدتك
حتى إذا كنت أفضل مني في كل شيء.
كلما اختلفنا عن بعضنا البعض
استفدنا أكثر من المقايضة مع بعضنا البعض.
هيا بنا نعود مرة أخرى إلى الواقع الفعلي.
ما تعنيه الميزة النسبية لمعظم الناس عملياً
هو أن يقضي كلٌ منا معظم وقت عمله
في وظيفة تستغل مهاراته النسبية.
كيف تعرف ما تجيده نسبياً؟
ما تتقاضاه مقابل وظيفتك
هو ما يُجيبك على هذا السؤال.
إن الميزة النسبية هي القوة الرئيسية
التي تدفعنا لاستخدام مهاراتنا في تلك الوظائف التي نجيدها.
لهذا السبب يميل أولئك الذي يجيدون الرياضيات
إلى أن يصبحوا مهندسين
ويميل الذين يتمتعون بحس فني إلى العمل في الفنون.
إن التخصص والتجارة يلعبان دوراً رئيسياً
في الانتقال من الفقر إلى الرخاء.
إننا سنحيا في فقر مدقع من دونهما
ولكنها لا يُفسران بمفردهما
الرخاء الكامل. هناك أمر آخر هام في عصرنا الحديث
وهو الابتكار.
إن مجتمعنا مفعم بالابتكار.
ومن المستحيل تحقيق هذا الابتكار
من دون التخصص والتجارة
ومع ذلك لا يضمن التخصص والتجارة
تحقيق الابتكار.
سوف نتناول هذا الموضوع في فيديو آخر.
Translated by Shaimaa Rakha with One Hour Translation