أحب دائماً أن أبدأ حديثي بسؤال لكسر الحاجز بيننا وهو سؤال آمل أن يلقي الضوء على مسألة أننا في الغرب لا نعلم الكثير عن شرق آسيا وهذا ليس خطأ أي شخص موجود في هذه الغرفة بل هو خطأ الإعلام العالمي ـ الإعلام الغربي تحديداً الإعلام الناطق باللغة الإنجليزية أحياناً تكون أسئلتي صعبة ولكن سؤالي اليوم إجابته سهلة في اعتقادي وأنتم من سيحكم على ذلك هو لسؤال من النوع ذي الخيارات في الإجابة وهو يتعلق بالدين الخارجي للولايات المتحدة وهو ما كان موضوع نقاش في الثمانينات من القرن الماضي دعونا ننظر إلى هذا الأمر اعتباراً من منظور العام 1989 وهو العام الذي حدثت فيه مجزرة ميدان تيانمن في بكين وهو أيضاً عام مهم بالنسبة لي حيث وصلت قوة اليابان فيه ذروتها حين وصلت مؤشرات السوق اليابانية أعلى معدلاتها على الإطلاق منذ ذلك التاريخ، ارتفع صافي الدين الخارجي للولايات المتحدة معظمنا لديه فكرة عن ذلك ولكن السؤال هو ما مقدار الزيادة في ذلك الدين الخارجي السؤال تحديداً هو بالنظر إلى حجم الدين الآن، كم مرة تضاعف هذا الدين عما كان عليه في العام 1989 سأعطيكم ثلاث خيارات للإجابة: 6 مرات 13 مرة أم 15 مرة عما كان عليه سنة 1989 هل منكم من يود أن يخمن الإجابة الصحيحة يبدو أن سؤالي وضع الناس هنا في ورطة! ولكني أقول إن الإجابة هي 15 مرة بل تقترب من 16 مرة ما أود أن أصل إليه هنا هو أن الصحافة الغربية لا تغطي هذه الأشياء فأنتم لا تقرأون عن هذه المسائل في الإكونوميست ولا في وول استريت جورنال ولا في صحيفتي السابقة الفاينانشيال تايمز حقيقة أن الولايات المتحدة يبلغ الآن صافي دينها الخارجي 4 تريليون دولار الجانب الآخر لهذا الأمر هو أن صافي الأصول الأجنبية لدول شرق آسيا قد ارتفعت قيمتها صافي الأصول الأجنبية الصينية وصل 1.27 تريليون دولار بالنسبة لليابان والتي تفترض أنها لا تستطيع مواكبة الاقتصاد العالمي فإنها تأتي بعد الصين مباشرة بقيمة أصول أجنبة وصلت إلى 1.2 تريليون دولار أود أن أشير إلى أننا أمام منعطف تاريخي حيث ننظر إلى صعود شرق آسيا وننظر إلى سقوط الغرب، تحديداً صعود الصين وسقوط الولايات المتحدة كل من هاتين الظاهرتين تتسارعان بوتيرة أعتبرها غير مسبوقة في تاريخ العالم دعونا نلقي نظرة عن قرب للصين التي تتمتع بميزات تفضيلية أكثر بكثير عما يعرفه الإعلام الغربي أو على الأقل يعطيكم فكرة عنه سأركز هنا فقط على ميزة تفضيلية واحدة وهي الظاهرة التي أسميها بالاستهلاك المحجم وهو أصلا مفهوم خطط له اليابانيون في منشوريا في الثلاثينيات من القرن الماضي ثم تم دمجه في الاقتصاد الياباني بعد الحرب العالمية الثانية والآن يشيع استخدامه في كل أنحاء شرق آسيا مفهوم الاستهلاك المحجم هو تحجيم الاستهلاك بشكل منهجي بحيث يرفع تلقائياً معدل الادخار بشكل عال جدا هناك طرق متعددة لتقييد الاستهلاك الطريقة التقليدية حتى في الغرب هي ضبط الائتمان في الأيام الخوالي في هولندا، بريطانيا وحتى في الولايات المتحدة كان يتم التحكم في الإئتمان الاستهلاكي وفي شرق أسيا هذه الأيام هناك الكثير من التحكم في بطاقات الائتمان والرهن العقاري وما إلى ذلك وهو ما يحجم الاستهلاك ويرفع من معدلات الادخار هناك طرق متعددة أخرى منها التلاعب في الأسواق وهذا أمر يتقنه الصينيون يحرصون على أن في الصين تستطيع أن تشتري ما تشاء لو كان لديك المال السلع الكمالية مثل سيارات الرولز رويس متوفرة ولكن الخبر السيء هو أنها تتوفر بأسعار عالية جدا جداً أسعار الكماليات في الصين تفوق مثيلاتها عالميا بثلاث أو أربع مرات إذن فالمستهلك يمكنه أن ينفق كثيراً من المال ولكن ليس بإمكانه أن يستهلك الكثير وهناك من يستفيد من كل هذا وهو بشكل أساسي نظام الاقتصاد الصيني فالمال لا يهدر بل تؤخذ زبدته الشركات الكبيرة تحقق أرباحاً ضخمة وتقوم بإعادة استثمارها في تقنيات انتاج متطورة بشكل مستمر وهو ما يؤدي إلى ارتفاع قوي جداً في معدلات الادخار بالمقارنة فإن الولايات المتحدة تترك هذا الأمر فقط للصدفة فتترك أمر معدلات الادخار وفقاً لرغبات الملايين الأفراد إن شاؤوا زادوا معدل استهلاكهم وإن شاؤوا ادخروا أموالهم إذن فهي الصدفة المحضة في الولايات المتحدة مقابل السياسة المنظمة في الصين وهذا يعطي ميزة تفضيلية كبيرة حقاً للصين ويعني ذلك أنهم يمكنهم الاستثمار في آخر تقنيات الإنتاج في مصانعهم وليس سراً أنه عندما تعطي العامل أدوات إنتاج أفضل فإنه ينتج أكثر دعوني أعرض عليكم بعض الأرقام استهلاك السلع المنزلية في الصين يساوي 36% من الناتج المحلي الإجمالي هذا يعني أن الصين يمكنها أن تستثمر تقريباً 46% من ناتجها المجلي الإجمالي في إنشاء أصول رأسمالية جديدة في المقابل فإن الولايات المتحدة تستهلك 69% من الناتج المحلي الإجمالي وذلك يمثل ضعفي استهلاك الصين ومعدل استثمارها 15% أي ثلث المعدل الصيني الولايات المتحدة حاليا تملك المال الكافي لاستبدال أدوات الإنتاج المستهلكة بأخرى جديدة ولكن لا مجال للتوسع في ذلك الصينيون في المقابل يستطيعون ليس فقط استبدال أدوات إنتاجهم الحالية بل يمكنهم أيضاً التوسع في صناعات متطورة أكثر بتمليك عمالهم آخر ما وصل إليه العصر من أدوات إنتاج كل خمس سنوات بينما في الولايات المتحدة فإن الأدوات تُستبقى مدة عشر سنوات إذن يمكنني القول بأن الاستهلاك المحجم يمثل بمفرده وقود صاروخ الانطلاق الاقتصادي الآن لنلقي نظرة عن قرب على الولايات المتحدة العامل المفتاحي هنا هو التجارة بينما الصين لديها فوائض تجارية ضخمة، فإن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري هائل عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة والذي يمثل أحد أصدق المؤشرات بلغ في المتوسط 3.3% في الأربع سنوات الأولى من العقد الحالي بكلمات أخرى من2010 إلى 2013 شاملة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي. قارن هذا بالرقم في الثمانينات والذي كان وقتها يعتبر كارثة حقيقية، كان 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي في الثمانينات اعتقد الناس أن هذا الوضع لن يستمر وسيتم تصحيحه وأنه سيتم التصحيح في الوقت المناسب هذا ما ظنه الناس ولكن التصحيح لم يحدث إطلاقاً من المثيرللانتباه أن ننظر إلى سنوات حكم الرئيس كارتر والتي يذكرها الناس في الولايات المتحدة على أنها سنوات اختلال اقتصادي أسوأ عجز تجاري في عهد كارتر كان 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي بكلمات آخرى أكثر قليلاً من خُمس المتوسط للأربع سنوات الأولى للعقد الحالي من المفيد أيضا أن نتذكر أنه في على مدار عقد السبعينيات من القرن الماضي بلغ متوسط عجز الموازنة 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي مرة أخرى المنحى الذي تشير إليه الأرقام أمر مقلق حقاً الأثر المباشر لعجز الحساب الجاري الحالي هو أنه يتحتم علينا الاستدانة من الخارج، والنتيجة هي ارتفاع الدين الخارجي ويتحتم عليك أن تبيع أصولاً، ربما تبيع أسهما وما إلى ذلك المحصلة النهائية هي ارتفاع صافي الدين الخارجي على أساس دولار مقابل دولار وطبعا فإن الدول الممولة لهذا هي عموما الصين واليابان هناك وضع خطير آخر بالنسبة للولايات المتحدة وهي أنها لا تملك طريقة لردم الهوة بسبب أنه لا توجد صناعة تحويلية مؤثرة باقية وأن الصناعات التحويلية رافد أساسي للصادرات وأن الصناعات الخدمية بشكل عام ليس لها صادرات مؤثرة ولكن الأسوأ من ذلك أن شركات الإنتاج الأمريكية عندما تبتكر أساليب وتقنيات إنتاج جديدة واعدة فإنها لن تستثمرها داخل الولايات المتحدة بل تتجه مباشرة إلى الإنتاج في الخارج تقوم بالإنتاج بشكل أساسي حالياً في شرق آسيا الصين تحديداً بطبيعة الحال السبب وراء ذلك أنك لو أنتجت في شرق آسيا كشركة أمريكية مثل أبل للكمبيوتر لو أنتجت في شرق آسيا فلديك منفذ لسوق شرق آسيا لو أنتجت في الصين فيمكنك أن تبيع في اليابان لو أنتجت في اليابان فيمكنك أن تبيع في الصين هكذا تعمل السوق في شرق آسيا وأيضاً لديك إمكانية البيع في السوق الأمريكية بطبيعة الحال على كل حال إن أبقيت تقنياتك الواعدة الجديدة داخل البلاد فلن تستطيع البيع في أسواق شرق آسيا ربما تتمكن من بيع بعض الكميات هناك ولكن لا توجد لك حصة معتبرة من ذلك السوق إذن لا يوجد خلاف من وجهة نظر الشركات الأمريكية بشان المكان الذي تختاره.. إن اخترت شرق آسيا فستتمكن من مضاعفة إنتاجك وإن بقيت في الولايات المتحدة فسوف يتضاءل إنتاجك بشكل مستمر إذن فأفضل الأفكار الأمريكية الآن تذهب لصالح دعم إنتاجية العمال الصينيين وليس العمال الأمريكيين الأمر الأكثر سوءا في هذا الوضع هو أن الولايات المتحدة الآن ضعيفة جدا بحيث لا يمكنها أن ترد لطمات الرأسمالية الشرق آسيوية ولا تستطيع الرد عندما تسرق الصين الملكية الفكرية الأمريكية السبب هو أن خزانة الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على التمويل من شرق آسيا وتحديداً التمويل الصيني بحيث باتت لا تستطيع التعقيب على هذه الدول لا يمكنك التعقيب على مسئول البنك إن كنت تريد قرضاً الأسبوع القادم إجمالاً فإن الصين ترى الفرص مفتوحة أمامها في كل الاتجاهات بينما الولايات المتحدة في حفرة لا تستطيع الخروج منها بهذا أود أن أفتح الباب للأسئلة